ساعة 24
كاريكاتير وصورة
الأكورة
قيم هذا المقال
لوبيات الموت
كم سنحتاج من طفل نلقي به في المحرقة حتى تفضح جرائمنا ؟ و كم هو حجم البراءة التي ينبغي إشعالها كي تنار لنا الطريق ؟ و يستفيق من ينبغي له ان يستفيق ؟ و ما مدى سيل دموع الأرامل و الأمهات الثكلى الذي ينبغي له ان يسيل ليغسل العار عن تواطؤ صحافيينا و تغاضي مثقفينا و استسلام مناضلينا و ارتشاء مسؤولينا ؟
و حتى لا أتاجر بمأساة الأخرين فإني أريد ان أطرح سؤالا بسيطا لعلي أخرج بخلاصة ربما يقف القوم عندها ذات يوم ولو إلى حين.
السؤال هو : من يقتل الأبرياء في هذا البلد الأمين ؟ ولو أني لا أستثني نفسي من كوني قد أكون مع القاتلين فإني أقول أنه إلى جانب تواطؤ صحافيينا و تغاضي مثقفينا و استسلام مناضلينا و ارتشاء مسؤولينا و ... هناك قاتل رئيسي في هذا الوطن يجب الإنتباه إليه جيدا و هو "لوبيات الضغط"، فإذا عدنا إلى حادثة تيشكا على الطريق الرابطة بين وارززات و مراكش فإن القاتل في هذه الحالة هو لوبي النشاط السياحي بمراكش الذي يمارس كل الضغوطات المشروعة و غير المشروعة حتى لا يفتح "نفق تيشكا" و لا تفك العزلة عن وارززات بواسطة طرق سيارة و سكك حديدية لتسهيل عملية تدفق العربات بدل المرور عبر منعرجات ملتوية و خطيرة تزداد خطورتها ليلا و أثناء تهاطل الأمطار و الثلوج حتى لا تتدفق جحافل السياح نحو هوليود المغرب و بالتالي يفوتون على سماسرة النشاط السياحي بمراكش فرصا ثمينة.
أما فيما يخص الحادث الأليم الذي هز الرأي العام الوطني و الدولي و الذي بات يعرف بحادث حافلة طانطان فإن الامر يحتاج إلى مساءلة عدة لوبيات يأتي في مقدمتها لوبي التهريب و اقتصاد الريع الذي يتاجر بالمواد المدعمة المخصصة لساكنة الأقاليم الصحراوية و هو النشاط الذي تورط فيه برلمانيون و منتخبون و رؤساء جماعات و تجار و جنود و ضباط في الجيش و أصحاب سوابق و موظفون و طلبة و ... يعملون على حمل هذه المواد المدعمة لبيعها خارج المجال المشمول بالدعم و يأتي في مقدمتها الغازوال و البنزين و المواد الغدائية المخصصة لساكنة مخيمات الوحدة حيث أن "لحم الجاموس" مثلا يباع بالدار البيضاء على شكل نقانق "صوصيط" بعد أن يتم تهريبه من السمارة أو العيون أو بوجدور او الداخلة .
أما اللوبي الثاني فهو لوبي النقل و اللوجيستيك الذي يحتكر هذا المجال الحلوب دون توفير الخدمات المناسبة و دون احترام أي دفتر للتحملات ما عدى اعتماد سائقين في كل رحلة لدى بعض الشركات و التي قد لا تتعدى الشركتين فقط و في غالب الأحيان فإن العديد من هذه الشركات تعتبر نفسها فوق القانون على اعتبار أنها تستمد قوتها من مكانة مالكيها الذين هم في الغالب أشخاص جد نافدين في أجهزة الدولة.
وإذا عدنا لتأمل الواقع الصحي نجد ان هناك لوبي يحتكر مجال استشفاء المواطنين ليجعله حكرا على محور الرباط الدار البيضاء ومراكش حيث تتركز أهم المستشفيات والمختبرات الطبية والعمليات الصيدلية والكليات الطبية والمستشفيات الخاصة وإلا ما معنى أن تحرق حسناء {رحمها الله} بالقرب من طانطان و تنقل حتى مراكش لتلقي العلاج حيث وافتها المنية؟ ألم يكن حري بنا معالجتها بطانطان أو العيون أو كليميم او السمارة أو أسا؟ ماذا سنفعل لو وقعت حادثة لا قدر الله بالداخلة؟ هل سنحمل المصابين لمسافة 2000 كلم حتى مستشفى ابن طفيل سيء السمعة بمراكش أو المستشفى العسكري العنصري ابن سيناء بنفس المدينة؟ والغريب في الامر أن كل المصابين ينقلون برا ولم نسمع قط بتدخل المروحيات إلا في حالات معدودة وقد تبدو شاذة، فمروحياتنا لا تتدخل حتى و إن كان الناس يغرقون كما وقع بتالمعدرت قرب كليميم و كما وقع لسائق الجرافة على واد كسات بالسمارة، ذلك الرجل الذي كان يعمل جاهدا بجرافته لمساعدة الناس على عبور الواد الجارف قبل أن تعلق عربته و تجرفه المياه معها رغم أنه ضل متشبثا فوق جرافته لأزيد من ثمان ساعات و ان هناك من اتصل حينها طالبا النجدة بمسؤولين إقليميين بالسمارة و برلمانيين و حتى مسؤولين بارزين على مستوى الرباط دون أن يحركوا ساكنا حتى استسلم الرجل للمياه الجارفة بعد ان خارت قواه أمام قساوة بردها و قوة تيارها ليستسلم للموت.
و الخطير في المسألة أن هذه اللوبيات رغم أنها تجني أموالا طائلة عن طريق نشاطاتها ببعض المناطق إلا أنها لا تلتفت إلى صرف ولو جزء يسير من هذه الأموال لتنمية وتحسين ظروف عيش المواطنين فإذا تأملنا ألاف الشاحنات التي تنطلق من الداخلة و بوجدور و العيون و طانطان محملة بألاف الأطنان من الأسماك غالية الثمن التي تباع في أوروبا فإننا نتساءل عن مصير كل تلك الأموال و حال طرقاتنا يقول أن لا ثروة مرت من هنا و لا خير بالجوار حيث تستمر بنيتنا التحتية فقيرة رغم ما تحمله للوبيات الفساد من ثراء.
إن لوبيات الموت في هذا الوطن تكاد لا تخطئ أي مجال فهي في عقارات "بورغون" و في معامل النسيج حيث الإستغلال الفاحش للعاملات و في الصحة و السياحة و التعليم و الصيد البحري و النقل و الطاقة و الإعلام و الرياضة و المناجم و ... و هي لكي تحافظ على نفوذها و مصالحها فإنها غالبا ما تقتل.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع
تعليقات الزوّار (3)
سعداء أخي بهكدا كتابات من طاقات شابة مثلكم,وأتمنى المواصلة على هدا النهج رغم التعليقات التي لاتنم الا عن قصر عقول أصحابها.
تحية ود أخي الكريم
أضف تعليقك