ساعة 24
كاريكاتير وصورة
الأكورة
قيم هذا المقال
طْــــشَــــيْــــشَــــة*

الساقية نيوز .حاميد لخريف
lakhrifhamid@gmail.com
قد تبدو السمارة مع طلوع كل فجر مدينة بسيطة و هادئة تبدأ يومها بحركية بعض موزعي الخبز و قلة من عمال الإنعاش الوطني يمسحون عن شوارعها القليل من غبار الأمس، فاسحين المجال أمام أفواج من التلاميذ الذين تدفعهم أجراس المؤسسات التعليمية إلى الهرولة و لو قليلا.
و في رأس الشارع تقف امرأة في بدلتها البيضاء تُحَرِّقُ أناملها على صفحة مقلاة لطهي "المسمن" في انتظار زبائن يمرون لتناول وجبة الفطور و هم في اتجاههم إلى "السربيس" أو عائدون لتوهم منه.
بعض الأشخاص يتوقفون بالتتابع بسيارات "الكاط كاط" أمام جزار داوم على نحر البعير يسألون عن "طْشَيْشَة" من كبد الإبل، فبدونها لا تستقيم وجبة الفطور ... و للغذاء "طَشّْة" أخرى.
و قد قيل في المأثور الشعبي أن الفم لا يحمل إلا اللقمة التي على مقاسه... لكن و في بعض الأحيان نجد أن بعض الأشخاص قد ابتلعوا لقما أكبر من مقاس أفواههم النهمة بكثير... و استطاعوا بلعها دون غصة و دونما أن يجدوا في الأمر مضاضة و من هؤلاء من راكم ثروات طائلة على حساب ساكنة الإقليم عن طريق التلاعب في المواد المدعمة سواء الغذائية أو الطاقية المخصصة للساكنة ليحولها إلى الأسواق المظلمة خارج حدود المناطق المدعومة و بالتالي يستفيد من فرق السعر الذي وفرته الدولة لمصلحة مواطنيها دون أن يصل إليهم من طبيعة الحال.
و الغريب في الأمر أن هؤلاء البالوعات لم يكتفوا فقط بالمواد المدعمة بل وصلت خراطيمهم المصاصة حتى إلى المواد الطبيعية للمنطقة: فإذا علمنا أن من مميزات هذا الإقليم هي توفره على نوع خاص من الحجارة يسمى محليا ب "الكاسيط" فإن هناك منهم من قام بترحيل أطنان منه إلى أماكن أخرى بعيدة عن السمارة لبناء دور و ڤِلل في بعض المدن كالعيون و مكناس دون أن يدفع لهذه المدينة ولو سنتيما واحدا ... و الأغرب من ذلك أن حتى الآليات التي استخدمت لنقل هذه الحجارة هي آليات في غالب الأحيان في ملكية الدولة ، و البنزين الذي تم استهلاكه في عملية النقل هو كذلك " من دار المخزن " ... هذا غيض من فيض لأن الاستنزاف طال هذه المدينة لعقود بحيث هربت المواد ... و غشت المشاريع ... و اختلست الميزانيات ... لتضل السمارة مدينة تتداخل فيها خرائط الفقر و الهشاشة... و خيم عليها جو المنطقة النائية المهمشة و المنسية.
نحن نعلم أن السمارة لا تتوفر على وحدات إنتاج لا صناعية و لا فلاحية، لكننا لا يجب أن نستغرب حينما نلاحظ بعض الشاحنات تغادرها و هي محملة و مغطاة "بِبَاشْ" فتحت "البَاشْ ما تحت البَــاشْ" ، تحته فقط " طْــشَــيْـــشَــة " يريد صاحبها أو أصحابها تناولها بعيدا عن أعين "الحساد" و "الحَرَّامَة" حتى لا تفوح رائحتها كما فاحت رائحة استفادة بعض المتنفدين في المدينة (و هم أغنياء طبعا) من عقارات و قد كتب لهم في قرارات التسليم، "نظرا لوضعيتهم الإجتماعية المزرية تم تسليمهم هذا المنزل" تلك فقط "طْــشَــيْــشَــة " لكنها في حجم بيت.
*طْــــشَــــيْــــشَــــة: في القاموس الحساني معناها القطعة أو جزء الشيء.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع
أضف تعليقك